یثیر هؤلاء شبهه لم ینزل الله بها من سلطان بأن الاسلام جعل الذبح مسلکًا إسلامیًّا لإجبار الناس علیه ! ساء ما یحکمون!…
إن مسلک هذه الجماعات ما هو إلا مسلک مشین ومهین، أفسدت به کل شیء، أفسدت به الزرع والحیوان والإنسان، وهدَّمت البیوت، وأزهقت الأرواح.
نعم إنّ هذه المجموعات الإرهابیه ستحاسب حسابًا عسیرًا مضاعفًا لأنهم أفسدوا فی الأرض فسادًا مرکبًا وأساءوا لسمعه الإسلام إساءه بالغه مسوغین بالفهم المنحرف لأنفسهم قطع الرقاب، وذبح الآدمیین بصوره مفعمه بالبطش والفتک، لا یرضاها دین الله ولا یقرها، بل ینکرها أشد الإنکار.
یثیر هؤلاء شبهه لم ینزل الله بها من سلطان بأن الاسلام جعل الذبح مسلکًا إسلامیًّا لإجبار الناس علیه ! ساء ما یحکمون!فإن هذا الحدیث الوارد بلفظ «تَسْمَعُونَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ، وَالَّذِی نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِیَدِهِ لَقَدْ جِئْتُکُمْ بِالذَّبْحِ» لم یخرجه البخاری ولا مسلم بهذا اللفظ، فسند الحدیث ضعیف لیس بالقوی، ولا یصلح للاستدلال به منفصلًا فی قضیه خطیره کهذه.
وعلى فرض الأخذ بصحته، فیجب فهم سیاق الحدیث والظروف المحیطه به، التی یُفهم منها أنها کانت على سبیل التهدید والتخویف، وهذه الظروف المحیطه یصورها لنا سیدنا عبدالله بن عمرو بن العاص فیقول عن قریش عندما اجتمعت تتکلم فی أمر النبی، وکیف أنهم صبروا علیه: «فَبَیْنَا هُمْ کَذَلِکَ إِذْ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ یَمْشِی حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّکْنَ فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ، فَعَرَفْتُ فِی وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِیَهَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعَرَفْتُ ذَلِکَ فِی وَجْهِهِ، فَمَرَّ بِهِمُ الثَّالِثَهَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، ثُمَّ قَالَ: «تَسْمَعُونَ یَا مَعْشَرَ قُرَیْشٍ، وَالَّذِی نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِیَدِهِ لَقَدْ جِئْتُکُمْ بِالذَّبْحِ». وفی روایه أخرى قال سیدنا عبدالله بن عمرو: «بَیْنَا النَّبِیُّ صَلَّى اللهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ یُصَلِّی فِی حِجْرِ الکَعْبَهِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَهُ بْنُ أَبِی مُعَیْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِی عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِیدًا».
إن لفظ «الذبح» یمکن أن یستعمل على سبیل المجاز فی التهدید والهلاک والتذکیه، کما یستعمل أیضًا فی التحوُّل کما فی قول سیدنا أبی الدرداء «ذَبحُ الْخَمْر: الْمِلْحُ وَالشَّمْس»؛ أی أن الخمر عندما تتعرض للشمس والملح تتحول وتطهر وتُزال خواصها فتصبح حلالًا کما أحل الذبح الذبیحه.
هناک مواقف عدیده کانت الفرصه فیها سانحه لاستخدام القتل والذبح، ولکن رسول الله لم یفعل شیئًا من ذلک، کما فی صلح الحدیبیه وفی فتح مکه، فقد حقن رسول الله الدماء فی الحالین، بل کان هذا مسلکه صلى الله علیه وسلم فی کل موطن، فلم یثبت عنه أنه حُمل إلیه رأس إنسان مسلم ولا غیر مسلم بعد قطعه، ولا أنه أمر بحزِّ الرؤوس، بل إن النصوص الشرعیه لم تؤسس لمثل تلک العقیده التی تنتهجها هذه المجموعات الإرهابیه فی القتل والذبح والتمثیل، ومنها ما قاله النبی: «الْیوم یومُ المرحمه» ردًّا على قول أحد الصحابه: «الْیَوْم یَوْمُ الْمَلْحَمَهِ».
و لا حقیقه لقول القائل بأن الأصل هو استعمال الألفاظ فی معناها الحقیقی، وهو الذبح بقطع الأوداج بقوله: «لقد وُجد من القرائن ما یصرفه عن هذه الحقیقه، ومنها أن الذبح له موطن واحد فقط، ولا یکون إلا بما یؤکل وهو ذبح الحیوان والطیر، أما ذبح الإنسان فهو یُعد من المُثله المنهی عنها حتى فی میدان الحرب الذی یُعد میدان شفاء الصدور، ویؤید ذلک أن مسیره النبی والصحابه من بعده لا تدل على أنهم أرادوا الحقیقه من هذا القول على فرض صحته».
والعجب العجاب من تغافل هؤلاء المتطرفین عن أدله الرحمه والتعایش، ومن الترکیز على هذا الموقف المخصوص بفئه معینه وزمان معین ومکان معین وسحبه وتعمیمه على مسلک الإسلام ومسیرته، فإن تصرفات هؤلاء الإرهابیین لا تکشف إلا عن نفوس مریضه مجرمه، وقلوب قاسیه متحجره، اتخذت الغلو والوحشیه مطیه لها فی تنفیذ مآربها، وبلوغ مقاصدها.
فی النهایه لا بد أن نؤکد على أهمیه التصدی لهذا الفکر المتطرف وأن نقی شبابنا ونحمیه مما یقرؤونه ویسمعونه من هذه المجموعات الإرهابیه على مواقع التواصل الاجتماعی وغیره، لأن هذه المفاهیم السقیمه مخالفه لقواعد العلماء فی الاستنباط ومخالفه للدلائل الوارده والمواقف الخالده لمسیره سیدنا رسول الله صلى الله علیه وسلم وصحابته الکرام.
الشیخ شوقی علام/مفتی الدیار المصریه
المصدر: وکاله رسا للأنباء